بقلم: خافيير أرياس، مدير ACCIONA Cultura ME
في عالم متطور باستمرار تظهر فيه الامكانيات التكنولوجية بلا حدود ، اصبح جذب الجمهور تحديا لمواجهة العناصر التقليدية ، وذلك بتبني تجارب جديدة واساسية في عالم الترفيه والاستهلاك العام . فسواء أكان هناك احداث ضخمة او عاطفية لمشاريع المتاحف لغرض التسويق او غيرها، فان هذه التجارب لها قدرة استثنائية على تجاوز حدود التقنية الحديثة لجمع الناس معا في لحظات فريدة . لذلك من الضروري جدا فهم و دعم اهمية هذه التجارب لتطوير الفعاليات والمتاحف والمعارض، بتصميمها بعناية لانها ستعزز الروابط بين الناس من خلال لحظات لا تنسى لهم، ،و تحفزهم على بناء وعي جماعي بما يفعلون، فعلى عكس الاحداث التقليدية في زيارة المتاحف والمراكز الثقافية سيصبح الزوار مشاركين نشطين في الزيارة بدلا من مجرد زائرين او متفرجين بسبب البيئات الجديدة .
في كتابها الشهير ” هاملت من هولوديك ” تصف استاذة الاعلام الرقمي جانيت موري الغمر انه احساس بأنك محاط بواقع مختلف تماما، مثل اختلاف الماء عن الهواء، وهذا ما تصفه المقارنة تماما بمفهوم الطبيعة التحويلية للتجارب الغامرة، التي تنقل التجربة الى ماوراء بيئتنا، مما يبرز التحول العميق في الادراك والتفاعل للانتقال بشكل كامل الى واقع محاكي او عالم خيالي، حيث تعتبر العناصر الحسية والتقنيات التفاعلية والغامرة موارد رئيسية لتطوير هذا النوع من التجارب، لخلق تجربة ولكن بدون ان تكون كاملة او غامرة .
يتم دمج كل من السرد و التكنولوجيا في “Jurassic Sea“ ، احد مشاريعنا الاخيرة في اسبانيا، والتي تقع في اكبر حديقة باليونتولوجية في أوروبا حاليًا، حيث تولد هذه التجربة الغامرة واقع افتراضي بزمن ومكان لنقل الزوار الى عصور الباليوزويك والميزوزويك . تعيد “Jurassic Sea” خلق مغامرة بحرية متعددة الحواس تقع في فجر التاريخ من خلال عروض ثلاثية الأبعاد وموارد سمعية بصرية وتفاعلية وعناصر موزيوغرافية من الذكاء الاصطناعي، لتعزيز الشعور بالغمر، بدون لافتات أو رسومات قد تعيق واقعية التجربة. حيث يشجع غياب هذه المكونات على النشاط الحر للزوار، حيث يمكنهم التحرك بشكل حدسي عبر الغرف، بتفاعل جميع العناصر المحيطة التي تجذب انتباههم. هذا هو حال النسخ المتطابقة الفائقة الواقعية التي تغري الزوار للتجربة والتعلم , باستخدام عدة حواس ، بدون الاعدادات التقليدية العادية في باقي المتاحف كاللمس مثلا.
في جناح الاستدامة الرائع في إكسبو دبي 2020 ( تيرا ) وهي مساحة تزيد عن 10,000 متر مربع من تصميم المهندس المعماري نيكولاس جريمشو، حيث كنا مسؤولين عن التطوير التقني والإنتاج والتشغيل التقني وصيانة المنطقة المعروضة، كان الهدف من التجربة الغامرة هو تعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية تجاه الكوكب. في رحلة مثيرة حول الأرض، دُعي الزوار للتفاعل مع المعرض والموارد المتعددة الوسائط والتفاعلية وفهم أن كل فعل يؤثر على البيئة. “اقتصاد التجارب” في المجتمع الرقمي الجديد ما بعد الوباء ، ووسط عدم الاستقرار الناجم عن حرب جديدة في اوروبا، سيرغب الناس في الاستمتاع بمغامرات جديدة ومميزة، ففي السنوات الاخيرة ادى الانتشار الكبير للتجارب الغامرة واستخدام التقنيات لإنشاء قمة تجربة العالم، التي عُقدت لأول مرة في لندن في يونيو الماضي.
جمع هذا الاجتماع الميداني الذي استمر ثلاثة أيام الرواد والخبراء من قطاعات مختلفة من ما يسمى بـ “اقتصاد التجارب”، أي الاقتصاد الذي يسعى إلى جعل استهلاك بعض المنتجات أو استخدام الخدمات المحددة ذكرى لا تُنسى للعملاء. وفقًا لمنظمة تجربة العالم (WXO)، الجهة المنظمة لهذا الاجتماع الأول، من المتوقع أن يصل قيمة “اقتصاد التجارب” إلى 12 تريليون دولار بحلول عام 2028، مدفوعًا بالجمهور والمستهلكين، الذين يقدرون بشكل متزايد السعي وراء التجارب المعنوية على تراكم السلع المادية.
ماذا عن المستقبل؟ تلعب التكنولوجيا دوراً واضحاً في مستقبل التجارب الغامرة , ففي المستقبل القريب، ستتلاقى تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والواقع الافتراضي (VR)، والواقع المعزز (AR)، ومع ذلك، فإن التكنولوجيا ليست سوى أداة فارغة بدون قصة تبرر استخدامها. يقول جورج لوكاس في عام 2018 خلال الكشف عن متحف الفن الروائي في لوس أنجلوس: “إن فن الرواية والسرد القصصي يثير عواطفنا، ويشكل طموحاتنا كمجتمع، وهو الرابط الذي يجمعنا حول معتقداتنا المشتركة”.
يتضح بشكل متزايد أنه كلما ارتبطنا أكثر بالتكنولوجيا، كلما شعرنا بالانفصال أكثر من المجتمع. لهذا السبب، يجب أن تساعدنا القصص الذي نستطيع خلقها على مستوى التجربة في السعي نحو التغيير كأفراد، مترجمة إلى تحول اجتماعي. في الواقع، يشير بعض الكتاب، مثل جوزيف باين الثاني، بالفعل إلى “اقتصاد التحول” كمرحلة تعلو فوق اقتصاد التجربة حيث يجب أن تكون الخدمات والمنتجات قادرة على إحداث تغيير داخلي في المستهلكين.من هذا المنظور، لا يزال طريق التجارب الغامرة طويلاً، ولمبدعي هذه التجارب مسؤولية كبيرة: لم يعد كافيًا خلق تجارب لا تُنسى؛ بل يجب عليهم أن يثيروا تحولاً شخصياً حقيقياً في الأفراد، والذي يعزز، إن أمكن، التعاطف ويقود إلى مجتمع أكثر ازدهارًا.